بأسمك يا رحمن نبدأ ، ومن حولنا وقوتنا نتبرّأ ، ونصلي ونسلم على
من ابرزته من انوارك القدسية ، واكملته بأسرار آياتك وخطاباتك الانسية ،
وعلى اله واصحابه كملة الرجال الّذين ما تركوا في قلوبهم لغير محبوبهم مجال
.
انظر اخي لدنياك بعين الاعتبار ، لتتيقن انها ليست بدار
، فالى متى تتحمل الاوزار وهي ثقال ، الى متى تتعلّل بالتسويف والآمال ،
الى متى تتبع الشهوات والاضلال ، تيقظ من نومتك ، وانتبه من غفلتك ، وقف
بباب من انت عبدا له ، فمن لزم قرع الباب يوشك ان يفتح له .
الرحمن
يدعوك فتتأخر ، ويأمرك بالانابة فتتكدر ، ويستحضرك لمراقبته فتتوارى ،
فالى متى ضياعك مع الحيارى ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، ويّحك بادر
بالتوبة ، واسرع الى مولاك بالاوبة ، واركب بحر الندامة ، واقلع بريح
الملامة ، وتأهب لحب من يدعوك للقرب ، فأقبالك عليه علامة للوصول اليه .
لا تغتّر بأحسانه ، مع ادمانك على عصيانه ، فبهذا الاحسان الهاك
عنه ، ولم تأخذ نصيبك منه ، به اغفلك عن طاعته ، وانامك عن لذة مناجاته ،
واحرمك في الاسحار لذة عتابه ، وطيب منادمته وخطابه ، فحقيقة هذا الاحسان
بعد ، وان اطمئننت له فطرد .
اذا اتسع لك مجال الامهال مع
العصيان ، فلا يأخذك الغرور ، فانه لو ارادك لما اقامك في هذا الامر
المحذور ، وان استحوذت عليك النفس ، فجعلت القضية بالعكس ، فأنت غارق في
بحر التيه ، انقذك الله مما انت فيه ، اما آن لك ان ترجع لباب مولاك ،
لابسا جلباب الورع رافضا لدنياك ، وقد احسن اليك واعطاك ، والى الدين
الخالص قربك وهداك ، وفي كل طرفة عين برّه يغشاك ، تؤثر ما يفنى على ما
يبقى ، فو الله ما هذا الا قنوط او اتهام او اشراك ، ومع هذا ان عدت اليه
بادرك بالقبول ، والبسك حلل المطالب والمأمول ، قلبك عن المحبوب غاب ،
وبالرءفة ينادي هل من تائب هل من آيب ، وانت مشغول بالهوى ، مفتون بالمنى ،
وواقف مع من توقن ان عقباه الفنى ، وتطلب من الله المواهب ، وحفظك من
الوقوع في المصائب ، هذا امر من العجائب ، واملك فيه خائب ، فانهض لهمتك عن
هذا الانحطاط ، وتدارك ما وقع منك في التفريط والافراط ، والزم التفسير
ليهون لك العسير .
جولانك مع الغافلين حيرك ، وركونك
للاغيار غيرك ، ووقوفك بين رتبتي الاعتقاد والانتقاد الى الانقطاع اداك ،
ونذير الرحيل المشاهد لعينك بالتحقيق وافاك ، فما هذه القصوة ، ندم من سبقك
على التفريط ، والله من ورائهم محيط ،
حفظ العهود فيه
الورود ، لأقرب مقام محمود ، اقبل ولا تكن شرودا او مردودا ، فالهارب مطرود
، والمردود امره بالقطيعة مشهود ، الى متى هذا التمادي يا فقير ، وانت في
البطالة والتقصير ، وتزعم انك بالامداد جدير ، وبنقائصك الناقد بصير ، ضيعت
اوقاتك والعمر انقضى ، فعجل بالاقبال واندم على ما مضى ، فباب العفو واسع ،
والانوار فيه سواطع .
اتطلب الدنيا والدنيا فيك ، وتتخلف
والرحمن يناديك ، فوا عجبا لمن يطلب ليعطى الملك فيأباه ، ويتشبث في جمع
الاخس ويتمناه ، الى متى انت في الذنوب غريق ، والى متى هذا الجفاء
والتعويق ، خذ لك في الطريق رفيق ، قبل ان تنقطع الطريق ، ولا تطفىء بهواك
انوار التوفيق .
اتريد ان تذهب هبوب نسمات الوصول وانت
سكران لا تفيق ، حملت نفسك والله ما لا تطيق ، اتغتر بالمال والولد والاهل
ام باقبال الدنيا عليك ، وهي آمرة بالقتل فاخرج من ظلمات العمي ، الى فضاء
نور الهدى ، وتزود فقد سارت الضغون ، ولا بد من ورود كأس المنون ، وتنبه
فكم لعب بمثلك الهوى ، ولم يفق الا وقد حان النوى ، وتضرع بالصبر وجاهد
النفس ، تسقك العنايات الى مجالس الانس . ان الله منحك وقتا لتناجيه ،
وخلاك زمنا لترجع اليه فتصافيه ، افلا تفق من سكرتك ، افلا تصحو من غمرتك ،
ادن منه ولو منعت ، والزم حماه ولو طردت ، فهو المتجلي عليك بالرحمة ولو
اسأت ، فارحل بهمتك اليه ، واشكو له الم الفراق فانه يجيبك برءفة التلاق ،
جد في المسير تصبح لك الاسرار عائدة ، وافنى في الحب تكن لك
الحياة خالده ، فالعمر يذهب والاوقات تنهب ، والامر باعمالك السوء واضح ،
كأنك اعمى واصم عن النصائح ، فيا لهذا العار من عار ، استعبدتك الدنيا واهل
الاخلاص احرار ، فما رجع من رجع الا بمراقبة الاغيار ، وما وصل من وصل الا
برفض الآثار ، فالى متى انت في قطيعة ، بخيالات كسراب بقيعة .
ان
لم تكن رحماني فأنت شيطاني ، وان لم تكن نوراني فأنت ظلماني ، عجبا لمن
يفضل الظلمة على النور ، ويدع التحقيق اتباع للغرور ، فقم في محراب الاذكار
، وتهيأ لقبول الواردات الابكار ، فللرحمن جنات تدني البعيد ، وهو اقرب
الينا من حبل الوريد ، فتنبه وبالكرام تشبه ، يبد لك حظا لا يحول ، وملك لا
يتزلزل ولا يزول ، عليك ان تعلم اخي ان شراب الوصول صفا وراق ، وطفق في
سائر الآفاق ، فكن بالحلم متخلقا ، وبالرحمن متعلقا ، واجعل الزهد شعارك ،
والورع وقارك ، والذكر انيسك ، والفكر جليسك ، تظهر لك خفايا الاسرار ،
ويكشف لك عن الاخرة وانت في هذه الدار . وفي هذا القدر كفاية .