الجمع بين حديثي" إن الرقى
والتمائم والتولة شرك" و "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل"
سؤال:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك ". وعن جابر رضي الله عنه قال:
"كان لي خال يرقي من العقرب فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى،
قال: فأتاه فقال: يا رسول الله إنك نهيت عن الرقى وأنا أرقي من العقرب
فقال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ".
ما هو الجمع بين أحاديث
المنع والجواز في موضوع الرقى وما حكم تعليق الرقى من القرآن على صدر
المبتلى؟ عبد الرحمن س. ف. الرياض
الجواب: الرقى المنهي عنها هي الرقى
التي فيها شرك أو توسل بغير الله أو ألفاظ مجهولة لا يعرف معناها.
أما
الرقى السليمة من ذلك فهي مشروعة ومن أعظم أسباب الشفاء لقول النبي صلى
الله عليه وسلم: " لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا"، وقوله صلى الله عليه
وسلم: "من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه " ، خرجهما مسلم في صحيحه، وقال صلى
الله عليه وسلم: "لا رقية إلا من عين أو حمة " ومعناه لا رقية أولى وأشفى
من الرقية من هذين الأمرين وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم ورقي.
أما
تعليق الرقى على المرضى أو الأطفال فذلك لا يجوز وتسمى الرقى المعلقة
[التمائم] وتسمى الحروز والجوامع، والصواب فيها أنها محرمة ومن أنواع الشرك
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق
ودعة فلا ودع الله له "، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من تعلق تميمة فقد
أشرك"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك ".
واختلف
العلماء في التمائم إذا كانت من القرآن أو من الدعوات المباحة هل هي محرمة
أم لا؟ والصواب تحريمها لوجهين:
أحدهما: عموم الأحاديث المذكورة فإنها
تعم التمائم من القرآن وغير القرآن. والوجه الثاني: سد ذريعة الشرك فإنها
إذا أبيحت التمائم من القرآن اختلطت بالتمائم الأخرى واشتبه الأمر وانفتح
باب الشرك بتعليق التمائم كلها ومعلوم أن سد الذرائع المفضية إلى الشرك
والمعاصي من أعظم القواعد الشرعية، والله ولي التوفيق.
معنى حديث "إن الرقى والتمائم شرك"
سؤال: ما معنى
الحديث: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك "؟
الجواب: الحديث لا بأس
بإسناده رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن مسعود ومعناه عند أهل العلم: إن
الرقى التي تكون بألفاظ لا يعرف معناها أو بأسماء الشياطين أو ما أشبه ذلك
ممنوعة، والتولة نوع من السحر يسمونه الصرف والعطف، والتمائم ما يعلق على
الأولاد عن العين أو الجن، وقد تعلق على المرضى والكبار وقد تعلق على الإبل
ونحو ذلك، ويسمى ما يعلق على الدواب الأوتار، وهي من الشرك الأصغر وحكمها
حكم التمائم وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أرسل في بعض
مغازيه إلى الجيش رسولا يقول لهم: لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر إلا
قطعت، وهذا من الحجة على تحريم التمائم كلها سواء كانت من القرآن أو غيره.
وهكذا الرقى تحرم إذا كانت مجهولة، أما إذا كانت الرقى معروفة، ليس فيها
شرك ولا ما يخالف الشرع فلا بأس بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رقا
ورقي، قال: "لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا "رواه مسلم.
وكذلك الرقية في
الماء لا بأس بها، وذلك بأن يقرأ في الماء ويشربه المريض، أو يصب عليه، فقد
فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ثبت في سنن أبي داود في كتاب الطب
أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ماء لثابت بن قيس بن شماس ثم صبه عليه. وكان
السلف يفعلون ذلك، فلا بأس به.
حكم التميمة من
القرآن وغيره
سؤال: ما حكم التميمة من القرآن ومن غيره؟
الجواب:
أما التميمة من غير القرآن كالعظام والطلاسم والودع وشعر الذئب وما أشبه
ذلك فهذه منكرة محرمة بالنص لا يجوز تعليقها على الطفل ولا على غير الطفل
لقوله صلى الله عليه وسلم: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة
فلا ودع الله له "، وفي رواية: "من تعلق تميمة فقد أشرك ".
أما إذا كانت
من القرآن أو من دعوات معروفة طيبة، فهذه اختلف فيها العلماء فقال بعضهم:
يجوز تعليقها، ويروى هذا عن جماعة من السلف جعلوها كالقراءة على المريض.
والقول
الثاني: أنها لا تجوز وهذا هو المعروف عن عبد الله بن مسعود وحذيفة رضي
الله عنهما وجماعة من السلف والخلف، قالوا: لا يجوز تعليقها ولو كانت من
القرآن سدا للذريعة وحسما لمادة الشرك وعملا بالعموم لأن الأحاديث المانعة
من التمائم أحاديث عامة، لم تستثن شيئا، والواجب الأخذ بالعموم فلا يجوز
شيء من التمائم أصلا لأن ذلك يفضي إلى تعليق غيرها والتباس الأمر.
فوجب
منع الجميع. وهذا هو الصواب لظهور دليله.
فلو أجزنا التميمة من القرآن
ومن الدعوات الطيبة لانفتح الباب وصار كل واحد يعلق ما شاء فإذا أنكر عليه
قال: هذا من القرآن، أو هذه من الدعوات الطيبة، فينفتح الباب، ويتسع الخرق
وتلبس التمائم كلها.
وهناك علة ثالثة وهي أنها قد يدخل بها الخلاء
ومواضع القذر ومعلوم أن كلام الله ينزه عن ذلك، ولا يليق أن يدخل به
الخلاء.
كلمة في المعضد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم..
زاده الله من الفهم والإيمان، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله
وبركاته- وبعد:
كتابكم المؤرخ 14/ 1/ 1385 هـ وصل وصلكم الله بهداه وقد
سرني علم صحتكم الحمد لله على ذلك كما سرني أيضا ما أبديتموه من الملاحظة
على جوابي في المعضد ووعدتكم في بحث الموضوع من جميع النواحي إلى آخره.
وأفيدكم
أن الأسباب تختلف وتتنوع كثيرا مع قطع النظر عن الاعتقاد، فمنها ما هو
جائز ومنها ما هو مكروه ويجوز عند الحاجة، ومنها ما هو محرم، وإن كان
الفاعل يعتقد أنها أسباب وأن الشافي هو الله وحده.
فمن الأول: ما
يتعاطاه الناس اليوم من الأدوية المباحة، كتناول الحبوب والإبر والضمادات،
والأدهان ضد الأمراض التي يقرر الأطباء علاجها بذلك، وكالأشعة الكهربائية
فهذه وأشباهها من الأسباب الجائزة، التي جربت وعرف نفعها من دون مضرة، إذا
اعتقد متعاطيها أنها أسباب وأن الشفاء من الله وحده.
ومن الأسباب
المكروهة الكي، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الشفاء في
ثلاث: كية نار وشرطة محجم، وشربه عسل وما أحب أن أكتوي "، وفي لفظ آخر "
وأنا أنهي أمتي عن الكي، وأنه إنما يستعمل عند الحاجة، وينبغي أن يكون آخر
الطب، عند تعذر أو تعسر غيره.
ومن النوع الثالث وهو التداوي بالأسباب
المحرمة، التداوي بالخمر ولحوم السباع، وأشباه ذلك من الأطعمة والأشربة
المحرمة فهذه الأشياء لا يجوز التداوي بها، ولو زعم بعض الناس أن فيها
نفعا، ولو اعتقد أن الله هو الشافي وأنها أسباب، وما ذلك إلا للأدلة الدالة
على تحريم التداوي بالنجاسات والمحرمات، ولو قدر أن فيها بعض النفع، لأن
ضرره أكبر، ولأنه ليس كل ما فيه نفع يباح استعماله، بل لابد من أمرين:
أحدهما: أن لا يرد فيه نهي خاص عن الشارع صلى الله عليه وسلم، والأمر
الثاني: أن لا تكون مضرته أكبر من نفعه، فإن كانت مضرته أكبر، لم يجز
استعماله، وإن لم يرد فيه نهي، لأن الشرع الكامل ورد بتحريم ما يغلب ضرره
كالخمر ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"عباد الله تداووا ولا تتداووا بحرام"، وفي لفظ آخر: "إن الله لم يجعل
شفاءكم فيما حرم عليكم " ، وصح عنه غالط أن رجلا سأله عن الخمر يصنعها
للدواء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ليست بدواء ولكنها داء".
ومما
تقدم تعلمون أن المعيار في التحلل والتحريم ليس هو اعتقاد الإنسان، وإنما
المعيار هو الأدلة الشرعية، لأن الإنسان قد يعتقد أن الشفاء من الله،
ويتعاطى أسبابا محرمة كأهل الشرك فإنهم يتعلقون بآلهتهم ويعبدونها من دون
الله، ويقولون: إنها تقربهم إلى الله زلفى، وتشفع لهم لديه، ولا يعتقدون
أنها تتصرف بذاتها في شفائهم، أو رد غائبهم أو الدفاع عنهم، كما قال الله
سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ
يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ}الآية، وقال
تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ
الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا
نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ
يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}.
والأدلة في هذا المعنى كثيرة وقد
يتعاطى الإنسان أسبابا هي في نفسها جائزة، كالرقية الشرعية، وتناول الحبوب،
والإبر المشتملة على المواد المباحة، فيحرم عليه تناولها إذا اعتقد أنها
هي الشافية وليس ربه، وخالقه وأنه هو الذي بيده الشفاء
إذا عرف هذا فمسألة المعضد، هل تلحق بالأسباب
الجائزة كالإبر والحبوب، أو المكروهة كالكي ونحوه؛ أو تلحق بالأسباب
المحرمة، كتعليق التمائم والحلقات والخيوط والودع، على الأولاد عن العين أو
الجن أو بعض الأمراض؛ وكتعليق الأوتار على الدواب كمما كان أهل الجاهلية
يفعلون ذلك، وقد زجرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأخبر أنه من
الشرك، مع أنهم يعتقدون أن الله سبحانه هو النافع الضار، وهو الذي يدبر
الأمر وهو الذي يكشف الضر ويجلب النفع، والدليل على ذلك قوله تعالى: {قُلْ
مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ
والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ
فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}، فهذه الآية الكريمة أمر الله فيها نبيه صلى
الله عليه وسلم أن يسأل المشركين عن هذه الأشياء، وأخبر أنهم سيقولون: إن
فاعلها هو الله وحده ولهذا قال تعالى: {فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}، المعنى
أفلا تتقون الله في ترك الشرك به وأنتم تعلمون أنه سبحانه هو المتصرف في
هذه الأمور والمدبر لها، وقال تعالى:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا
تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ
كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ
رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ
الْمُتَوَكِّلُونَ}.
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهي دالة على أن
المشركين يؤمنون بأن الله سبحانه هو النافع الضار، وهو الكاشف للضر، الجالب
للنفع، وهو الذي يحيي ويميت، ويدبر الأمر، ولكنهم يعبدون آلهتهم من
الأصنام والأشجار والأنبياء والأولياء والملائكة، بقصد الوساطة والشفاعة،
وهكذا ما يتعاطونه من تعليق التمائم والأوتار والحلقات والخيوط على الأولاد
والدواب هو من باب الأسباب عندهم لا أنها شافية بنفسها، ولكنها لما كانت
أسبابا محرمة تقتضي تعلق قلوبهم بها، والتفاتهم إليها، وغفلتهم عن الله
سبحانه، أنكرها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وزجرهم عنها، ولأنها قد
تجرهم إلى شرك أكبر، وفساد أعظم.
ومن أجل ذلك اختلفت وجهة نظر المشائخ
الذين بحثت معهم موضوع المعضد، هل يلحق بالأسباب الأخيرة، وقد بينت في
الجواب الذي أرسلت صورته لكم، أن الأقرب إلحاقه بالأسباب الأخيرة المحرمة،
لأنه من جنس الحلقات والتمائم والأوتار التي جاء فيها النهي، لأن الذين
تعاطوها من أهل الجاهلية، ومن سلك سبيلهم، إنما استعملوها لظنهم أن فيها
نفعا، جعله الله فيها وخصها به، وإن كان الله هو النافع الضار، لكنه سبحانه
خلق في مخلوقاته أنواع النفع، وأنواع الضرر، وفاوت بين ذلك على مقادير
مختلفة، فمن أجل ذلك وقع الناس فيما وقعوا فيه، من تعاطي الأسباب الجائزة
والمحرمة، ولا سبيل إلى التمييز بين هذا وهذا، إلا من طريق الشرع المطهر،
فما عرف أنه من جنس الأسباب المحرمة فهو محرم، وإن قدر فيه بعض النفع، وما
عرف أنه من جنس الأسباب الجائزة فهو جائز وإن كان فيه بعض الضرر، إذا كانت
منفعته أكثر، وما عرف أن الشرع نهى عنه ومنع منه فالواجب تركه مطلقا،
كالخمر ولحوم السباع. ومعلوم أن لبس المعضد يبقى على الإنسان كما تبقى
الحروز والتمائم، الأيام والليالي والسنوات، بخلاف الحبة التي يأكلها،
ويفرغ منها، وبخلاف الإبرة التي يستعملها وينتهي منها، فليس المعضد من جنس
هذه الأشياء، بل هو أشبه بلبس الحلقة التي ورد فيها حديث عمران بن حصين
المذكور في الجواب الذي أشرفتم عليه، وهو أشبه أيضا بلبس التمائم والودع
والأوتار، ومما تقدم تعلمون وجهة نظري ونظر المشائخ الذين قالوا بمنع لبسه
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومما يؤيد ذلك أن تعاطي لبسه قد يفضي بالناس
إلى لبس كل ما جاء من الغرب، مما يدعى فيه النفع، حتى تعظم المصيبة ويكبر
الخطر، ويغفل الناس عما جاء به الشرع المطهر، في تنويع الأسباب وتفصيلها،
ووجوب التحرز مما حرم الله منها، وأسأل الله سبحانه أن يوفقنا وإياكم وسائر
المسلمين لما فيه رضاه، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن
يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من مضلات الفتن إنه على كل شيء قدير،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..